ازمة الهجرة تهدد وزارة الصحة بالشلل
ربما وزارة الصحة المغربية لم تستشعر بعد الثقب الاسود المحدق بهياكل قاطرتها الكلاسيكية البخارية و نجدها منشغلة برسم المخطاطات الخماسية و حتى اكثر من خماسية مع الوزير الجديد الذي أتى بفكر الانابيك و غاب عنه الواقع الصحي المغربي دون معالجة المشاكل الجوهرية و المتعلقة بالميزانية.
ان الممرض المغربي و إنطلاقا من سنة 2007 وبدأ التنسيقية الوطنية للممرضين و الممرضات و التي كانت تدعوا في تلك الفترة الى الادماج الفوري للمتخرجين بدون اجتياز المباراة المهنية نظرا لان أفواجهم دخلت و ليس في علمهم مباراة التوظيف, و شنوا حربا شعواء على الوزيرة ياسمينة بادو في تلك الفترة غير ان تلك المجهودات لم تثمر غير الادماج الحتمي رغم المباراة بسبب الخصاص المهول في تلك الفترة و تم الاتفاق على توظيف الممرضين دون خوف من تبعات الرسوب كحل وسط ولتفادي الاحتقان حيث ابانت الوزارة في تلك الفترة عن تفكير استراتيجي لفرض المباراة بشكل تدريجي حتى اصبح الان واقعا مقبولا جدا رغم ان الممرضين يجتازون ثلاث مراحل انتقائية قبل ولوج المعاهد العليا لمهن التمريض و تقنيات الصحة.
هذه المعركة التي خاضها الممرضون الشباب في تلك السنة رسمت امام اعينهم ثلاث مسارات , المسار الاول هو الاستمرار في النضالات لتحسين واقع مهنة التمريض من خلال تنسيقيات تتحد احيانا مع النقابات التي اصبحت لا تعبر عن الواقع, او المسار الثاني و هو الانصات و الركون الى السكينة و انتظار ان يستفيد الجميع من نضال الاخرين بفكر مكيافيلي انتهازي, او استغلال فرصة العمر و الشباب الذي لن يعود و الهجرة الى بلاد الاحلام حيث المال على قدر المجهود .
سنتجه في تحليلنا الى الفئة الثالثة التي قررت الهجرة لأن الفئة الاولى اقتنعت بضرورة التضحية و العيش في بلاد الاباء الاجداد و التزام المثل المغربي الذي يقول "لي بغا سيدي علي بوغالب ياخدو بقلالشو" و لن نتحدث عن الفئة الانتهازية لانها طبقة غير مأمونة الجانب و هي سبب الخيانات عبر العصور و لكن سنتجه للفئة الثالثة التي اصبحت ظاهرة تطفو على السطح و هي ظاهرة جديدة في صفوف الممرضين .
الهجرة ظاهرة صحية ارتبطت بالانسان و الحيوان منذ بدء الخليقة و انسجامها مع العصر الحديث لا يعدو ان يكون عودة الانسان للبحث عن الاستقرار و الحياة الرغيدة بأقل مجهود ممكن فالانسان القديم كان يبحث عن المراعي الخصبة و الاستقرار قرب الانهار ليسهل معيشه اليومي اما الان فالهدف هو الحصول على الثروة بأقل مجهود مع احترام نسبي للانسانية , و الممرض في بحثه عن الاشتغال بالدول الاوروبية و الامريكية يطمح لتجربة الفكر الغربي في التعاطي مع مهنة الممرض حيث يعتبر اغلبية الشعوب المتقدمة ان مهنة التمريض ولو انها انسانية الا ان الصورة لاتزال تؤطرها كمهنة ذات سقف نمطي خدماتي بمعرفة لا ترقى للمستوى الجامعي للطبيب و بالتالي تبقى تحت وصايته ما يجردها من القيمة المجتمعية العالية مهما تطورت في البحث الاكاديمي, و الممرض المغربي في بحثه عن الهجرة هو اولا يحاول الفرار من واقع جامد تظافر فيه ما هو سياسي بالمجتمعي و الاقتصادي . فامام عدم اعتراف الدولة بالاطار التمريضي من خلال هزالة التعويضات و تجميد الافق الاكاديمي مع سيطرة الاطباء على القطاع بنسبة 90 بالمائة يجد الممرض نفسه في بحث عن الهجرة نحو بلدان تعترف بجزالة العطاء لهذه الفئة مع تغطية صحية تحترم ادمية الانسان و مبدأ لكل مجتهد نصيب .
ليس هذا فقط ولكن الواقع السياسي الذي يبرز تهافت الاحزاب على المناصب و النقابات على الفتات رسخ فكرة الجمود السلبي في التعاطي مع الملفات الحيوية و التخلف و الرجعية السياسية , فقناعة الممرض التي اصبحت تحيله على استحالة تغيير هذه الصورة و استحالة كذلك تطوير القطاع الصحي امام الاختلاسات التي تعرفها المؤسسات العمومية و زيادة تعويضات البرلمانيين و الوزراء و الاحزاب ما يجعل الدولة قائمة على اقتصاد الريع و المصالح بين السياسيين ادى الى فقدان الامل في تغيير الفكر الانتهازي السياسي و بالتالي صعوبة الوصول الى مرحلة تعترف فيها الدولة بالممرض و تضحياته في مختلف مناطق المملكة بحيث ان فئة الممرضين هي الوحيدة التي تقبل الاشتغال في مؤسسات نائية بدون وسائل العيش الكريمة.
واقع اخر مرتبط بالمهنة يشكل الحلقات التي تكاملت في بلورة الفكر القائم على الهجرة و هو ارتفاع الضغط في المستشفيات العمومية و نقص الاطر التمريضية امام عجز الوزارة و بالتالي التحمل الفردي لكل ممرض في المصلحة ما يجعله عرضة اما لسب و الضرب و التشهير او الوقوع في تبعات هفوات مهنية تضعه في قائمة المتابعين بتهم ثقيلة ليس سببا فيها و قد تدخله السجن لا لشيئ سوى لغياب الحماية القانونية و نقص الموارد البشرية و المعدات الاستشفائية بالاضافة لسخط السكان على قطاع الصحة لانه لا يقدم الخدمات المفروض فيها ان تقدم.
الطمة الكبرى هي اقتناع الممرض المغربي ان المسؤولين المغاربة يعالجون في الخارج و هذا يعني بؤس المؤسسات الصحية العمومية و انعدام الثقة و الاعتراف بالكفاءات المغربية الصحية داخل اوطانها فكان حريا بهذا الممرض الذي لايجد التقييم الفعلي من وطنه ان يبحث عن الاعتراف بالقيمة العلمية و الفكرية.
ظاهرة هجرة الممرضين هي مستجدة في القطاع و ستعرف ارتفاعا غير مسبوق في السنوات القادمة و السبب الذي يؤجلها حاليا هو الالمام بالطرق و المساطر و إتضاح المعالم و ضمان الاستقرار بعد الهجرة مع اكتساب الثقة في الاعتماد على النفس لان البلدان الخارجية لا تعترف بالاتكالية و الكسل كونها من مطبطات الانتاج و التقدم و الازدهار لشعوبها.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق